AhmedMedhat32 مدير المنتدى
عدد المساهمات : 124 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 02/04/1997 تاريخ التسجيل : 04/07/2010 العمر : 27
| موضوع: سيرة سيدنا ابو بكر الصديق رضى الله عنه الخميس يناير 20, 2011 12:03 pm | |
| [size=21]بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. أيها الأخوة المؤمنون :مع الدرس السبعين من دروس صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عنهم أجمعين ، ومع الدرس الثاني من سيرة سيدنا الصديق رضي الله عنه وأرضاه . أيها الإخوة هذا الصحابي الجليل هو الصحابي الأول ، لذلك إذا قرأتم سيرته يمكن أن يكون قدوة لأي مؤمن في طريق الإيمان ، فكان في نفسه تساؤل مستمر ، تساؤل عن يقين للحق ، وتساؤل عن طريق الهدى ، فكان هذا الصحابي الجليل صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى ذلك أنه قريب جداً منه ، كلما ارتفع مستوى الرجل إلى مستوى صنوه صار صديقاً له . النبي عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح عَنْ عَمَّارٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا "(متفق عليه) حتى هذه الأمة العربية التي اختارها الله لتكون أمة وسطاً ، هذه الأمة وهي في جاهليتها تنطوي على مكارم للأخلاق عديدة ، فقد كان حاتم الطائي وهو من سادة العرب في الجاهلية يقول لغلامه :[center]*** أَوْقِدْ فَإِنَّ اللَّيْلَ لَيْلٌ قَــرٌّ والرِّيحَ يَا مُوقِدُ رِيحٌ صِرُّ عَسَى يَرَى نَارَكَ مَنْ يَمُرُّ إِنْ جَلَبْتَ ضَيْفًا فَأَنْتَ حُرُّ *** أي إن جئتني بضيف ومكنتني من إكرامه فأنت حر ، فبعضهم يوقد النيران الشاهقة في الليل كي يستدل بها الضيوف على مكان القِرى والإكرام ، والعرب في الجاهلية كانون يحمون الذمار ، ويكرمون الضيف ، وينصرون المظلوم، ويعينون على نوائب الدهر فلديهم مكارم أخلاقية حقًّا . أيها الإخوة : العرب في الجاهلية كانت لهم أشهر حرم ، أنا لا أنسى أنه كانت لهم نواقص كثيرة ، وهناك حروب ، ولكن هناك مكارم أخلاق رغم الجاهلية التي كانوا يعانون منها " ...خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا " ففي هذه الأشهر الحرم تتحوّل السيوف إلى أغصان ، وتتوقف الحرب ، ويتوقف سفك الدماء ، هذه ميزة كانت عندهم ، بينما نسمع الآن أن الحرب دامت ثلاثة عشر عامًا و ... وحروب أهلية لا تبقِي ولا تذر ، هناك مكارم أخلاقية في الجاهلية ، وكان الصدِّيق عليه رضوان الله في قِمَّة هذه النماذج التي عاشت في الجاهلية ، والتي جاءها الإسلام ، وهي على نقاء فطري ، هذا الصحابي الجليل كما قلت لكم لم يشرب خمراً ولم يعبد صنماً وكان في مخيلته تساؤل كبير عن الحق الذي يعد شفاء للنفوس كان مرة في بلاد الشام في عمل تجاري ، وقبل أن يغادر الشام إلى بلده مكة رأى رؤيا ، رأى قمراً قد غادر مكانه في الأفق الأعلى ، ونزل على مكة حيث تجزأ إلى قطع وأجزاء ، تفرقت في جميع منازل مكة وبيوتها ثم تضامنت هذه الأجزاء مرة أخرى ، وعاد القمر إلى كيانه الأول ، واستقر في حجر أبي بكر ، صحا هذا الصديق من نومه ، وقد رأى هذه الرؤيا ، فسار إلى أحد الرهبان المتقين الذين ألفهم ، وعقد معهم صلات بالشام ، وقص عليه الرؤيا ، فتهلل وجه الراهب الصالح ، وقال لأبي بكر : لقد أهلَّتْ أيامُه ، قال : من تعني ؟ قال : النبي الذي يُنتَظَر ، لقد أهلّت أيامه ، ويجيبه الراهب : نعم ، وستؤمن معه ، وستكون أسعد الناس به . هذه يسميها علماء السيرة إرهاصات ، والأشياء الجليلة العظيمة لا بد لها من إشارات تؤكدُ قدومها ، وتبشِّر بها ، سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كلم الله في المهد قال إني عبد الله ، طفل ولد لتوه هل يقول إني عبد الله ؟ فلما كبر وأرسله الله رسولاً لقومه تذكروا أن هذا الغلام هو الذي تكلم في مهده ، فالمعجزات التي تظهر على أيدي الأنبياء في وقت مبكر جداً من إرسالهم للناس ليست معجزات بالمعنى الدقيق ولكنها كما يقولون علماء السيرة إرهاصات ، يعني إشارات مبكرة ، وحينما يبعث النبي برسالته إلى أمته يذكر الناس أن لهذا الإنسان وضعاً خاصاً حينما كان صغيراً ، فيربطون بين ذاك الحدث القديم وبين البعثة الجديدة ، وهذا الربط لديهم مما يؤكد أن العناية الإلهية اختارت هذا الرجل ليكون نبياً وهذا معنى قوله تعالى :( سورة طه ) فهناك إرهاصات تأتي في وقت مبكر ، هذه تؤكد للناس صدق بعثة الأنبياء ، فسيدنا الصديق يحتل مرتبة الصديقية ، واللهِ الذي لا إله إلا هو حينما تقرؤون سيرته ستجدون فيها ما لا يصدق ، الحب الذي ينطوي عليه هذا الصحابي الجليل للنبي يكاد لا يصدق ، المؤاثرة ، التضحية ، الولاء ، الفهم ، الإدراك ، في أعلى مستوى ، وهذه القدرات الفذّة التي يمنحها الله للمؤمنين تقابل صدقهم في طلب الحقيقة . كلما اشتد صدقك في طلب الحقيقة منحك الله قدرات استثنائية تعينك على تحقيق مطلبك في الحياة ، إذاً هذه كانت بالمعنى الدقيق إرهاصات لظهور النبي عليه الصلاة والسلام . سيدنا الصديق كان مسافراً ، وعاد إلى مكة المكرمة ، لكن هذه المرة عاد إلى مكة المكرمة ، وفيها حدث جلل ، وفيها أمر عظيم ، وفيها خبر يدوِّي الأرجاء ، ما هذا الخبر ؟ اقترب أبو بكر من مكة المكرمة فشعر أن فيها حدثًا لم يكن حينما غادرها ، فلما دخل مكة ، وقابل أصدقاءه تقدَّمهم أبو جهل وتعانقا ، وبدأ أبو جهل يقول : أَوَحدَّثوك عن صاحبك يا عتيق ، سيدنا الصديق كان اسمه في الجاهلية عتيقًا ، فأجابه أبو بكر : ماذا تعني ، تعني محمداً الأمين ، فقال أبو بكر : نعم أعني يتيم بني هاشم ، انظر إلى تسمية الصديق لمحمد ، تعني محمداً الأمين ، ودار حوار سريع بين أبي جهل وبين الصديق ، قال : سمعت أنت ما يقول يا عمرو بن هشام ؟ قال : نعم سمعته ، وسمعه الناس جميعاً ، قال : وماذا يقول ؟ قال : يقول إن في السماء إلهاً ، وكانت الآلهة عندهم بين أيديهم ، يقول إن في السماء إلهاً أرسله إلينا لنعبده ، ونترك ما كان يعبد آباؤنا ، ثم إنّ سيدنا الصديق سأل ، أو قال : إن الله أوحى إليه ؟ قال أبو جهل : أجل ، قال الصديق : ألم يقل كيف كلمه ربُّه ؟ ، قال أبو جهل : قال إن جبريل أتاه في غار حراء ، وتألق وجه أبي بكر كأنه الشمس ، قال في هدوء وسكينة : إن كان قال هذا فلقد صدق . الفصل كله حول هذه الكلمة ، إن كان قال هذا فقد صدق ، ولهذه الأسباب سمي الصديق ، لأن يقينه بصدق محمد عليه الصلاة والسلام فوق الشك إنسان عاش أربعين سنة ما جرب الناس عليه كذبة قط ، إنسان عاش أربعين سنة ما جرب الناس عليه خيانة قط ، مثل هذا الإنسان حري أن يصدق إذا قال ، طبعاً أبو جهل ما توقع هذا الموقف الهادئ ، ولا هذا التصديق ، هو يظن أنه سيلقي على أذني أبي بكر خبراً صاعقاً يظن أنه سيفصم عرى المودة بينه وبين الصديق ، وإذ بهذا الصديق يصدق النبي عليه الصلاة والسلام ، إن قال هذا فقد صدق . قصد أبو بكر داره ليرى أهله ، وينفض عنه وعثاء السفر ، وبعدها يقضي الله أمراً كان مفعولا ، ثم إنّ سيدنا الصديق أراد أن يتصل بالنبي عليه الصلاة والسلام اتصالاً مباشراً ، وهو يعرفه معرفةً جيدة ، حينما كان النبي عليه الصلاة والسلام طفلاً صغيراً ، وقد دعاه أصدقاؤه للعب كما يلعب الأطفال عادة ، كان يقول عليه الصلاة والسلام وهو طفل صغير : أنا لم أُخلَق لهذا ، وهو في سنِّ حياته الأولى كان واعياً للمهمة الكبرى التي تنتظره . ولكنّ الصديق عليه رضوان الله لم يصدق النبي بشكل متعجل لكن خبرته مع النبي طويلة ، وأنا أقول لكم هذه الحقيقة أنّ الإنسان المستقيم الشريف ، الطاهر الصادق ، الأمين ، من كانت أخلاقه هكذا ، إذا تكلم فحري به أن يكون صادقاً ، والانحراف السلوكي دائمًا يقابله انحراف عقائدي ، والانحراف العقائدي دائماً يقابله انحراف سلوكي هذه حقيقة مقطوع بها ، قال تعالى :( سورة الماعون ) ( سورة القصص ) هناك تلازم ضروري حتمي بين التدين الصحيح وبين الخلق الكريم ، فإن رأيت فكراً نيراً ، وعقلاً راجحاً وكلاماً سديداً ، ورأياً صحيحاً ، فظن بغلبة الظن أن صاحب هذا الكلام السديد وذاك العقل الراجح إنسان مستقيم ، وإن رأيت استقامة وورعاً ، وطهراً ، وصدقاً ، وأمانةً ، فظن بغلبة الظن أن صاحب هذه الأخلاق الرفيعة إنسان مبادئه صحيحة ، اعتقدْ هذا الاعتقاد ، هناك تلازم ضروري وحتمي بين سلامة السلوك وسلامة الفكر ، بين سلامة العقيدة والمبدأ وسلامة الحركة في الحياة . سيدنا الصديق عاش مع النبي عمراً مديداً جاءته الرسالة في الأربعين وكان هو في الثامنة والثلاثين ، متقارب في سنه مع سن النبي عاش معه ردحاً من الزمن طويل ، الذي لا يكذب لا يخون ، لم ير في موقف يستحي به ، لم ير في موقف يعتذر منه ، هذا الإنسان إذا قال فقد صدق ، وفي القرآن الكريم هناك بعض الإشارات ، قال تعالى : ( سورة العلق ) الآية انتهت ، كيف تنتهي الآية ، ولم يأت الجواب ؟ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى الجواب أي انظر إلى أخلاقه ، انظر إلى دناءته ، انظر إخلافه وعده ، انظر إلى اقترافه الآثام ، انظر إلى انحرافه السلوكي قال تعالى :( سورة العلق ) انظر إلى استقامته ، هذا التلازم مهم جداً ، لعل هذا التلازم هو موضوع هذا الفصل ، سيدنا الصديق لم يبادر متعجِّلاً ، وقال : لقد صدق ، إلا لأنه خبير بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لذلك اعتقدوا أيها الإخوة وهذا من عقيدة المسلم ، إن الأنبياء معصومون قبل الرسالة ، ولو لم يكونوا معصومين قبل الرسالة لشَكَّ الناس في دعوتهم ، لأنهم صنعوا على عين الله عز وجل ، ولأنهم هُيِّئوا لهذه المهمة العظيمة . سيدنا الصديق انتقل من بيته بعد أن نفض عنه وعثاء السفر وتوجه إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام ، وجرى حديث بينهما في سرعة الضوء وصفائه ، قال أبو بكر : أصحيح ما أنبأني به القوم يا أخا العرب ، ولم يكن رسولَ الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا أنبؤوك قالوا : إن الله أرسلك إلينا لنعبده ولا نشرك به شيئا ، قال : وما كان جوابك لهم يا عتيق ، قلت لهم : إن قال هذا فقد صدق ، يروي كتاب السيرة أنه قد فاضت عينا رسول الله من الدمع غبطةً وشكراً ، لأنه هو يظن أن هذا الإنسان هو أول من يصدقه ، وقد تحقق ظنه . أنت أيها الأخ الكريم عندما تصدق الحق ، وعندما تعين على نشر الحق ، وعندما توظف إمكاناتك في نشر الحق فهذا عمل عظيم ، الداعية إنسان ضعيف ، لكنه قوي بإخوانه ، قوي بمَن يعاونه ، قوي بمَن يأخذ بيد الآخرين معه إلى الله ورسوله ، فعندما يلتف الإنسانُ حوله ويجد رجالاً بكل معنى الكلمة ، أشداء ، ورعين ، متحفزين ، مضحين ، مستعدين أن يقدموا الغالي والرخيص والنفس والنفيس ، من أجل هذه العقيدة السمحاء ، هذا شيء يثلج صدر أيِّ داعية ، طبعاً النبي عليه الصلاة والسلام هو سيد الخلق وحبيب الحق ، يعني إن لم تكن داعيةً فكن مع داعية معيناً ونصيراً ، لا تكن في خندق معادٍ لأهل الحق ، كن مع أهل الحق ، وكن عوناً لهم يكنْ لك عند الله أجرٌ كبيرٌ ، دائماً الجماعة المؤمنة كلها مرحومة ، وكل واحد له دور ، في الأسرة الواحدة أيُّ الأدوار أخطر ؟ وما قيمة الزوج وماله الوفير من دون زوجة تربي ، وتنجب ، وتطبخ ، وتقدِّم المعونات والخدمات لأفراد الأسرة ، الابن له دور ، والزوج له دور ، فهذه أسرة ، وجماعة المؤمنين أسرة ، لا أحد أفضل من أحد في الأسرة الواحدة ، أسرة بمعنى الكلمة ، كلهم متعاونون على تحقيق الهدف الكبير الذي من أجله جاءت هذه الرسالة . لما فاضت عينا النبي بالدموع غبطةً وشكراً عانق صاحبه ، وقبل جبينه ، ومضى يحدثه كيف جاءه الوحي في غار حراء ، قال تعالى :( سورة العلق ) لاحظتم أنه كان مسافرًا ، فرأى رؤيا وسأل كاهناً عنها ، وكانت هذه الرؤيا إرهاصاً ، وعاد إلى مكة ، فتلقاه أبو جهل وأخبره خبراً وفي تصوره أنه سيفصم عرى الصداقة بين الصديق والنبي عليه الصلاة والسلام ، كيف أن الصديق بخبرته الطويلة بهذا الإنسان العظيم اعتمد على أخلاقه العلية ، هل يوجد لديكم شاهد آخر ؟ شاهد يؤكد مدى الترابط بين صدق الدعوة وبين الأخلاق العالية ، وهذا الشاهد فطري ، السيدة خديجة من علَّمها ؟ وما درستْ في الجامعة ، ولا تخرَّجتْ مِن كلية شرعية في العالم الإسلامي ؟ حينما أنبأها النبي عليه الصلاة والسلام بأن الوحي قد جاءه بماذا أخبرته ؟ قالت : والله لن يخزيك الله أبداً ، إنك تقري الضيف ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر ، ربطت بين صدقه وبين أخلاقه ، وهذا شاهد آخر ، ربطت بين صدقه وبين أخلاقه ، وهذا هو الشاهد الفطري من دون تعقيدات ، فالإنسان الصادق ، الورع ، الأمين ، المتواضع ، أغلب الظن أنّ كلامه حق ، والذي كلامه يغذي العقل أغلب الظن أنْ يكون مستقيمًا ، فهناك تلازم ، لأن المنحرفين في عقيدتهم منحرفون في سلوكهم ، والمنحرفون في سلوكهم منحرفون في عقيدتهم . ما كان من هذا الصحابي الجليل بعد أن قبله النبي وبكى إلا أن شد بكلتا يديه على يد صاحبه ، هناك أناس نادرون من شدة المودة والشوق تضع يديك كلتيهما حول يده ، فسيدنا الصديق أمسك بيديه مجتمعتين وصافح بهما النبي عليه الصلاة والسلام وقال : أشهد أنك صادق أمين وأشهد أنه لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ما دعوت أحداً إلى الإسلام قط إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر . استمعوا أيها الإخوة إلى بعض ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في حق هذا الصحابي ، قال عليه الصلاة والسلام : ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه بها ما خلا أبا [b]بكر فإن له عندنا يداً أرجو الله أن يكافئه بها يوم القيامة . أحياناً يقدم لك إنسان معروفًا كبيرًا تشعر أنت أن كل إمكاناتك لا تكافئ معروفه ، تقول له : جزاك الله كل خير ، واللهِ أنا عاجز عن شكرك . يا أيها الإخوان : المؤمن معدنه طيب ، إذا فعل خيراً فإنه سريعاً ما ينساه ، أما إذا فعل أحدٌ معه خير لا ينساه إلى الأبد ، إذا أحدهم قدم لك معروفًا ذكّره بمعروفه ، وقل له أنت فضلت عليّ ، والله لا أنسى لك معروفك حتى الموت ، كلما رأيته ذكره بمعروفه ، وهذا من طيب الأصل ، لأن اللؤم والجحود ، ونكران الجميل هذا من طبع اللئام .*** حر ومذهب كل حر مذهبــي ما كنت بالغاوي ولا المتعصب يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى حب الأذية من طباع العقـرب لي أن أرد مساءة بمســـاءة لو أنني أرضى ببرق خــلب حسب المسيء شعوره ومقـاله في سره يا ليتني لم أذنـــب *** وذات مرة كان النبي عليه الصلاة والسلام بين أصحابه ، فمر رجل أمامهم فقال أحدهم : والله إني لأحبه ، فقال له النبي : قم وأعلمه بهذا الحب ، فهناك أشخاص يضنُّون بكلمة طيبة ، فمثلاً إنْ كنتَ تشعر بمودة نحو أخيك فلِمَ تبقى ساكتًا ، اذكر هذا الحبَّ ، ذكِّره بفضله عليك ، والنبي عليه الصلاة والسلام عندما انتهى من وقعة حنين ، وكان عليه الصلاة والسلام في أوجّ قوته يعني الخط البياني لقوة النبي عليه الصلاة والسلام ومدى سيطرته على الجزيرة العربية كان في الأوج ، وبلغه أن بعض الأنصار قد وجدوا عليه في أنفسهم ، يعني في منطق العصر ممكن القوي يلغي وجود المنتقدين إلغاءً ، ويمكن للقوي أن يهدر كرامتهم ، فلو أن النبي قال في حقهم : إنهم منافقون لانتهوا ، ومن الممكن أن يهملهم ، ومن الممكن أن يعاتبهم ، ماذا فعل عليه الصلاة والسلام وهو في أوج قوته ؟ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا *(رواه أحمد) ماذا قال ؟ ذكرهم بفضلهم عليه . وأنت أيها الأخ الكريم خدمك أخٌ ، أكرمك ، أعطاك ، دلك على الله ، زوجك ، قدم لك شيئًا ثمينًا ، فإياك أن تنسى فضله ، فمن لؤم الأصل أن تنسى فضله ، أما إذا صنعت معروفاً فعليك أن تنسى ما صنعتَ ، وإذا صنع أحدٌ معك معروف فلا تنسَ ، والأشخاص المتفوقون في إيمانهم إذا فعلوا معروفاً لا يذكرونه أبداً ، وكأنهم ما فعلوه ، أما إذا فُعِل معهم المعروف لا ينسونه أبداً ما داموا أحياء ، فالكلمة الطيبة صدقة ، أحدهم قدم لك خدمة وشاهدته بعد أسبوع فقل له : جزاك الله الخير ، أنا والله لا أنسى فضلك ، شجِّعه ، هناك شخص يتلقى خدمات الآخرين ، ويتلقى المعروف وهو ساكت ، وكأن هذه الخدمات ضريبة عليهم أن يؤدُّوها له . ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه بها ما خلا أبا بكر ، فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة . ليس مِن صحابي من أصحاب رسول الله من دون استثناء إلا وذكره النبي بما يستحق أبداً ، هذه من عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ، فأخلاقه ، وعظمته ، وبطولته كالشمس في رابعة النهار ، مرة قرأت كلمة لأديب من الأدباء ، قال : إنها لمضنية ومؤلمة تلك الجهود التي تبذلها النجوم لتضيء في حضرة الشمس .حاول أن ترى النجوم في الظهر ، أين هي ؟ قال لي أحدهم : هل مِن شيء فخم أكثر من الخمس نجوم ، فقلت له : نعم ، نجوم الظهر ، فوق هذا ليس إلا نجوم الظهر . مستحيل أن ترى النجوم عند الظهر ، طبعاً التعبير الذي يستخدمه العامة إذا أحدهم تلقى شيئًا سارًّا لا يحتمل قال : إنه رأى نجوم الظهر في رابعة النهار ، وهذا شيء مستحيل ، على كلٍّ فالنبي عليه الصلاة والسلام ما من صحابي صحبه إلا وأعطاه حقه وأنصفه ، ولكن شأن العظماء غير الأنبياء وغير المؤمنين أنهم إذا ظهروا لا يسمحون لأحد أن يظهر معهم إطلاقاً ، العظماء المتفوقون في الحياة من عادتهم أنهم إذا ظهروا تألقوا ووصلوا إلى قمة النجاح لا يسمحون لأحد معهم أن يظهر ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أظهرهم . قال لسيدنا معاذ : واللهِ يا معاذ إني لأحبك ، أحد إخوانا العلماء يعد كتيبًا لطيفًا عن أقوال النبي في أصحابه ، وهذه الأقوال من كتب السيرة كلها . أبو عبيدة أمين هذه الأمة ، خالد سيف من سيوف الله ، ارمِ سعد فداك أبي وأمي ، لو كان نبي من بعدي لكان عمر ، فما من صحابي إلا ذكره عنه النبي بكلامٍ أنصفه ، وأعطاه حقه ، هذه من عظمة النبي ، مع أنه هو أعظمهم ، وأرقاهم عند الله ، وهو البطل الأوحد ، ومع ذلك ما نسي مَن حوله ، وما نسي البطولات التي حوله ، مع أنها إذا قيست إليه فلا تعدل شيئًا ، ومع ذلك أبرَزَها ، وهذا من الإنصاف ، فقال عن سيدنا الصديق : ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة . يا أيها الأخوة الكرام : من فظاظة الإنسان ومِن ضحالته ، يقول لك : أنا لا أحد له فضل عليّ إلا الله ، وهذه كلمة حق أريد بها باطل ، صحيح أنّ لله المنة والفضل ، ولكن لا تنسَ قول النبي عليه الصلاة والسلام : مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ *(رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) إذا لم ير الإنسانُ فضلَ أبيه عليه وفضلَ أمه وفضلَ أصدقائه الذين قدّموا له المعونة يوم العسرة ، وفضل الذي دلّه على الله ، وفضلَ الذي أكرمه ، وفضل الذي زوجه فهو كنودٌ جاحدٌ .بعضُ الناس قد يتطاول على عمه ، هذا عمك الذي ربى لك زوجتك ، فهل هو مِن سنك ؟ هذا أب لك ، والآباء ثلاثة ؛ أب أنجبك ، وأب زوّجك ، وأب دلّك على الله ، وفارقُ السنِّ مهم جداً. يقول عليه الصلاة والسلام : "ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال أبي بكر ". سيدنا الصديق أعطاه كل ماله ، وما قبل النبي مال أحد كله إلا مال الصديق ، من سيدنا عمر لم يقبل إلا نصف ماله ، أما سيدنا الصديق قبل ماله كله ، قد تنشأ علاقة بين شخصين يتحابان في الله ، نابعة مِن علاقة إيمانية ، صدِّقوا أيها الإخوة ؛ إنّ الفوارق تتلاشى ، المال واحد ، والهموم واحدة ، والفرح واحد ، والحزن واحد ، أحياناً تشتد العلاقة بين المؤمنين لدرجة أن الملكية تتلاشى ، يقول مالي ومالك واحد. سيدنا الصديق بلغ من حبه للنبي عليه الصلاة والسلام حداً لم يعُدْ يرى أنّ له مالاً إطلاقاً ، قال له : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : أبْقيتُ لها الله ورسوله ، هذا هو الإيمان العالي ، دققوا كلما ارتقى إيمانكم أحببْتم بعضكم بعضاً ، وإنّ الحسد من ضعف الإيمان ، وتراشق التهم من ضعف الإيمان ، وأن تتمنى أن تزول عن أخيك النعمة من ضعف الإيمان ، أنا سوف أقدِّم لك مقياسًا دقيقًا جداً ، بين المؤمنين يوجد قد يكون الأخ قريبًا منك دائماً ، ويكون أيضًا أشخاص لا ينافسون ، مثلاً إذا كنت طالبَ علم فلا ينافسك تاجر ، أنت في حقل ، وهو في حقل آخر ، أما تاجران في مصلحة واحدة ، وطالبان في مدرسة واحدة ، إذا كان بينهما تماثل وجدتَ تنافسًا ، أحيانًا الأخ يكون له ندٌّ ، السنّ متقاربة ، بالمدرسة في صفه ، في السوق محله مجاور للمحل ، فانظر إلى نفسك إن جاء لأخيك خير وفرحتَ له ، وكأن هذا الخير جاء إليك فأنت مؤمن وربِّ الكعبة ، أمّا إذا حسدته وتمنيت زوالَ النعمة عنه فاعلمْ وأنك منافق قطعاً ويقيناً ، لقول الله عز وجل :( سورة التوبة ) وكلما فرحت لأخيك إذا تسلَّم منصبًا رفيعًا ، أو نال شهادة عالية ، أو تزوج ، أو اشترى بيتًا ، أو اشترى مركبة صغيرة ، افرح له، هذا أخوك ، وقد صار أقوى منك ، وقوته لكل المؤمنين. وشعار المؤمنين : الواحد للجميع ، والمجموع للواحد ، كلنا لواحد منكم ، وأنت أيها الأخ لنا جميعاً ، أنت وإمكانياتك وقدرتك وعضلاتك ومالك للجماعة كلها . قال ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال أبي بكر ، قال : وما عرضت الإسلام على أحد إلا وكانت له كبوة عدا أبي بكر فإنه لم يتلعثم ، فهذه أقوال صحيحة قالها النبي عليه الصلاة والسلام عن سيدنا الصديق ، وهناك أقوال كثيرة منها . فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ فِي خِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً وَلَكِنْ خُلَّةُ الإسْلامِ أَفْضَلُ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ*(رواه البخاري) " ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك " على مدى سنواتِ هذه الصحبة ما وردت منه كلمة تسيء للنبي عليه الصلاة والسلام ، وما زال أهل مكة يكذبون النبيَّ ، ويبخسون دعوته ، ويتهمونه بالكذب تارة ، وبالجنون تارة أخرى ويتهمونه بأنه كاهن وأنه شاعر ، وفي زحمة هذه الاتهامات وفي زحمة هذه المعارضات أسرى الله به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء ، أنا أظن أن النبي عليه الصلاة والسلام لو كان الأمر باختياره لتمنى ألف مرة أن يسكت عن إسرائه ومعراجه لأنه من دون أن يسرى به إلى بيت المقدس ومن دون أن يعرج به إلى السماء ، الناس يكذبونه فكيف إنْ يحدثهم بالإسراء والمعراج . دققوا في هذه القصة : كان أبو جهل ذاهباً لبعض شأنه حين مر بالكعبة فأبصر النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحده في المسجد الحرام ، صامتاً مفكراً ، وأراد أبو جهل أن يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام ببعض سخرياته فاقترب منه وسأله أولم يأتك الليلة شيء جديد ؟ قالها استهزاءً ، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه وأجاب في جدٍّ : نَعَم ، أُسرِي بي الليلة إلى بيت المقدس في الشام ، فقال أبو جهل مستنكراً : وأصبحتَ بين أظهرنا ، طبعاً كل عصر له معطياته ، الآن مثلاً سهل جداً أن تركب الطائرة من جدة الساعة التاسعة ، وتكون الساعة العاشرة في الشام ، لكن تصوروا العصر الذي عاش فيه النبي بين مكة وبيت المقدس ، أعتقد أنّ المسافة كانت شهرًا أو شهرين مِن ركوب الناقة ، فقال له : وأصبحت بين أظهرنا ، فقال عليه الصلاة والسلام : نعم ، وهنا صاح أبو جهل في جنون : يا بني كعب هلموا ، وأقبلت قريش ينادي بعضها بعضاً ، فماذا حل بالنبي ، وهو مأمور أن يبلغ الناس أنه أسري به ، من دون إسراء لم ينته منهم ، وهو مكذَّب ، فكيف بالإسراء والمعراج ، فأقبلت قريش ينادي بعضها بعضاً ، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أحداً من أصحابه بنبأ الإسراء بعدُ ، فتجمع الناس عند الكعبة ، ومضى أبو جهل يحدثهم في حبور بما سمع ، وقد ظنها الفرصة المواتية التي عندها سينفض الناس عن رسول الله ، وفي هذه القصة ظن أبو جهل أنّ أمْر النبي انتهى إلى الأبد ، لكن الذي انتهى وصار في مزبلة التاريخ أبو جهل وأبو لهبٍ وأمثالهما ، قال تعالى :( سورة المسد ) هؤلاء الذين عارضوا النبي أين هم الآن ؟ وتقدم واحد من المسلمين وسأل النبي : يا رسول الله أحقاً أسري بك الليلة ، فقال النبي : نعم وصليت بإخواني الأنبياء هناك ، وهذه أفظع أيضاً ، وسرى في الجمع المحتشد خليط متنافر من المشاعر المهتاجة ، ورحب المشركون بما سمعوا أشد الترحيب ، لأنهم توهموا أن هذه الحادثة تنهي النبي عليه الصلاة والسلام ، وينفض الناس من حوله ، وهذه غير معقولة . ثم وصل هذا الجمع الغفير إلى دار أبي بكر وقالوا له : هذا صاحبك ، وهذا الذي تقول عنه الصادق الأمين ، والذي تظن به خيراً ، تعال واسمع هذا الخبر يا عتيق ، بلغوا دار أبي بكر وصاحوا به يا عتيق : كل أمر صاحبك قبل اليوم كان معقولاً ، وكان هيناً ومحتملاً ، أما الآن فاخرج واسمع ، وخرج أبو بكر دهشاً تجمله السكينة والوقار وسألهم : ماذا وراءكم ، قالوا : صاحبك ، قال : ويحكم هل أصابه سوء ؟ مِن شدَّة حبه له ، وتراجع القوم ، وقالوا : لا ، إنه هناك عند الكعبة يحدث الناس أن ربه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس ، وتقدّم آخر يكمل الحديث ساخراً ، ذهب ليلاً وعاد ليلاً وأصبح بين أظهرنا ، فأجابهم أبو بكر وقد تهلل وجهه : أي بأس في هذا ؟ إني لأصدقه فيما أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء يأتيه في غدوة أو روحة ، إن كان قال هذا فقد صدق ، هو الصديق أدرك إدراكًا عظيمًا ، هذا الذي خلق السماوات والأرض ، وأنزل عليه جبريل من فوق سبع سماوات ، الذي فعل هذا بإمكانه أن يأخذه إلى بيت المقدس ، وأن يعيده في ليلة واحدة . قال : أيُّ بأس في هذا ، إني لأصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدِّقه في خبر السماء يأتيه في غدوة وروحة أفلا أصدقه في خبر الأرض ، إن كان قال هذا فلقد صدق . ما هذا اليقين ؟ هذا يقين الصدِّيقية ، سيدنا علي يقول : والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، المؤمن كلما ارتقى إيمانه يصبح هو والحقائق وجهاً لوجه ، يعني يقينه بالحق الذي يؤمن به أقوى من وجوده . سيدنا الصديق ليس عنده مشكلة " كيف ذهب ، وكيف عاد" ، عقله الراجح ، وخبرته بالنبي عليه الصلاة والسلام يقينية ، ويبدو أن نظره في هذا الكون العظيم ، والذي خلق هذا الكون قادر على أن يأخذه ، ويعيده في ليلة واحدة ، ومشكلة الصديق هل قال هذا أم لم يقل ؟ لعل هذه فرية ، لعلها تلفيق ، إذاً عليه التحقق . وهرول أبو بكر إلى الكعبة حيث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعند الكعبة رأى الجمع الشامت المرتاب متحلقين ، ورأى نور الله هناك في جلسته الخاشعة مستقبلاً الكعبة لا يحس بهذا اللغط من حوله ولا يسمع للقوم ركزا ، وانطرح أبو بكر عليه يعانقه ، ويقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والله إنك لصادق والله إنك لصادق ، لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام من تكريم الله له أنه أحاطه بهؤلاء الأصحاب . فكلما كان أصحابك من علية القوم صدقاً وأمانةً ، وورعاً ، ووفاءً ، وبذلاً ، وتضحيةً ، فأنت عند الله في مكان رفيع ، و كلما كان الذين من حولك مقصرين مترددين متشككين متخاذلين أحياناً ، فهذه علامة ضعف إيمان في الذي يجعلهم حوله. الحقيقة هذا الصحابي الجليل له مواقف ، أي حتى عندما سيدنا عمر ، وهو عملاق الإسلام تضعضع ، وكان كالجبل الأشم ، أي دائماً من تعليمات أسئلة الامتحانات أنه يوجد سؤال يحله الطلاب الضعاف ، والسؤال الثاني يحله الطلاب المتوسطون ، والسؤال الثالث يحله الطلاب فوق المتوسطين ، لكن من الحكمة أن يكون في الأسئلة سؤال لا يحله إلا المتفوقون ، فربنا يبتلي المؤمنين ، وأحياناً بعض الشدائد لا يصمد لها إلا من كان في القمة ، فالدعوة الإسلامية مرت بمحن وأزمات في ما صمد لها إلا الصديق وحده ، ففي الحديبية رأى سيدنا عمر في هذا الاتفاق وهذا الصلح مهانة للمسلمين بعد أن ذهب المسلمون ، ومعهم هديهم معلنين أنهم لا يبتغون حرباً ، وافق النبي مع سهيل بن عمرو أن يرجع هذا العام عند عزمه دخول مكة معتمرا ، ووافق النبي على أن الذي يأتيهم من قريش مسلماً يجب أن يرد إليهم ، أما الذي يرتد من المسلمين ينبغي ألا يعود إليهم ، إذًا فهو اتفاق مهين في نظرِ سيدنا عمر ، فذهب إليه و قال : يا رسول الله ، يا نبي الله ، ألستَ نبي الله حقاً ؟ قال: بلى يا عمر ، قال : فلِمَ نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال عليه الصلاة و السلام : يا عمر إني رسول الله ، و لست أعصيه ، وهو ناصري ، أي الذي فعلته ليس من اجتهادي ، بل هو تنفيذ لأمر الله ، قال عمر : أو لمْ تَعِدْنا يا رسول الله بأننا سنأتي البيت ، ونطوف به ، فقال النبي : أو قلت لكم : هذا العام يا عمر ؟ أقلت لكم هذا العام تحديداً ؟ قال عمر : لا، قال النبي عليه الصلاة والسلام : فإنك آتيه ومطوِّف به ، انتظر هذا الحوار بين سيدنا عمر و رسول الله ، لكن سيدنا عمر لا يزال يغلي ، اتفاق مهين ، نحن أعزة و مسلمون ، والنبي عليه الصلاة والسلام نبي مرسل ، فلماذا هذا الاتفاق المهين ، فذهب إلى سيدنا الصديق وألقى عليه الأسئلة نفسها ، قال : فأخذ أبو بكر بيدي و جذبها في قوة ، وقال لي : أيها الرجل إنه رسول الله ، ولن يعصيه ، وإن الله ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فو الله إنه على حق ، فأنزل الله السكينة على قلبي ، و علمت أنه الحق ، عملاق الإسلام عندما يتزلزل كان ملاذه الصديق ، إذاً هناك امتحانات صعبة ، كبار الصحابة اهتزوا لها ، لكن الصديق بقي ثابتاً ، و هناك امتحان صعب آخر هزّ سيدنا الصديق ، لكن النبي بقي ثابتاً ، أين هذا ؟ في الغار ، فالنبي قمة المجتمع الإسلامي ، قال له : لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ، قال : يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا ، ثقة النبي بنصر الله شيء لا يصدق ، وهو على وشك أن يقضي عليه الكفار كما في ظاهر الأمر ، وهناك شيء أدق من ذلك ، عندما كان في الهجرة ، ولحقه سراقة ، والنبي مهدور الدم ، وملاحق ، ومع ذلك يقول له : يا سراقة كيف بك إذا لبست سواريْ كسرى ، أي إنّ النبي سيصل إلى المدينة سالماً ، و سينشئ دولة ، وسيحارب الفرس ، وسينتصر عليهم ، وسيأتي بغنائم كسرى ، وسوف يلبسها سراقة ، وهذه ثقة النبي بنصر الله عز وجل . لكن الموقف الذي لا ينسى ، والذي عصم الله به المسلمين من الشتات يوم توفي النبي عليه الصلاة و السلام ، أنا أعتقد أنه ما من أحد على وجه الأرض يحب النبي عليه الصلاة و السلام كما يحبه الصديق و مع ذلك فإنّ هذا الخبر ، خبر موت النبي عليه الصلاة و السلام لم يحتمله أحد من أصحاب رسول الله ، فسيدنا عمر كذبه ، وسيدنا الصديق كان في بعض شأنه في طرف المدينة يوم توفي النبي عليه الصلاة والسلام ، سيدنا عمر حينما علِم بنبأ الوفاة قال كلاماً اختل توازنه ، قال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله مات ، وإنه والله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، والله ليرجعنَّ رسول الله فليقطعنّ أيدي رجال زعموا أنه مات ، ألا لا أسمع أحداً يقول : إنه مات إلا فلقت هامته بسيفي هذا ، هذا موقف سيدنا عمر ، شيء غير معقول ، أيموت رسول الله ؟ سيدنا الصديق وهو في طريق العودة إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام سمع النبأ في الطريق ، فقال : لا حول و لا قوة إلا بالله ، أقبل أبو بكر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء و دخل على النبي عليه السلام وهو مسجى في ناحية البيت عليه بردة حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم قَبَّله ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبتَ حياً وميتاً ، إن الموتة التي كتبها الله عليك قد مِتَّها ، ثم ردّ الثوب على وجه النبي ، ثم خرج وعمر يكلم الناس ، فدعاه للسكوت فأبى أن يسكت ، وتابع عمرُ كلامه ، فقال الصدِّيقُ : أيها الناس ، فلما رأى الناسُ الصدِّيق يتكلم أنصتوا ، وأقبل على الناس يكلمهم ، فلما سمعوه أقبلوا عليه منصتين ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، فأنْ تحب إنساناً إلى درجة تفوق حدَّ الخيال ، وتوحد الله إلى درجة تفوق حد الخيال ، الجمع بين التوحيد و بين الحب ، ليس أمرًا سهلاً ، فأكثر الناس إذا أحبَّ يشرك ، وإذا وقع في الحب وقع في الشرك و إذا وقع في التوحيد وقع في الجفوة ، أما أن تجمع بين الحب و التوحيد ، وتحب إنساناً إلى درجة تفوق حد الخيال ، وألا تنسى أن الله هو كل شيء فهذا الجمع شيء صعب ، وأحياناً شخص عادي ، داعية يزداد الحبُّ له لدرجة أن أتباعه ينسون الله عز وجل من أجله ، وقعوا في الشرك و هم لا يشعرون ، و إذا تعلم الشخصُ التوحيد بشكل فيه جفاء ، تجده فظًّا غليظًا ، وكلاهما غلط ، لكن سيدنا الصديق وهو في أعلى درجات الحب ما غابت عنه حقائق التوحيد ، قال أيها الناس : لو لم يكن له إلا هذه الكلمة لكفته ، قال أيها الناس : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، فهو واقعيوعاقل ومتماسك القلب والنفس ، ومَن كان يعبد اللهَ فإن الله حي لا يموت ، والأصل هو الله ، الله حي لا يموت ، ثم تلا هذه الآية :( سورة آل عمران ) قال : فو الله لكأن الناس يسمعون هذه الآيلة أول مرة في حياتهم ، (أفإن مات أو قتل) ، أما عمر فقد وقع على الأرض حين علم أن كلمات أبي بكر تؤكد أنه قد مات ، وما صدّق ذلك ، هذا الموقف الذي لا يُنسى لأبي بكر ، وهو يعكس قمة التوحيد مع قمة الوفاء ، فلذلك يجب أن توحدوا ، وأن تكونوا أوفياء في الوقت نفسه ، وإذا حملكم التوحيد على الجفوة فليس هذا هو التوحيد الذي أراده الله ، و إذا حملتكم المحبة و الوفاء على الشرك فليست هذه المحبة التي أراده | |
|